vendredi 19 décembre 2014

التوظيف السياسي للدين...العودة الى دهاليز الديكتاتورية القاتمة


ان توظيف الدين في الحياة السياسية وإقحامه لخدمة اجندات سياسية مصلحية بحتة خلق حالة من الاستقطاب بين الفرقاء السياسيين وكرس القطيعة والتنافر بين اصحاب القرار والقوى العلمانية لتصبح التجاذبات السياسية السمة التي تميز المرحلة الانتقالية.

فتواصل اللغط حول هذه المسالة  واتباع هذا المنهج من شانه ان يكرس ديكتاتورية جديدة تكتم الافواه وتلغي التعددية كما من شانها ان تشتت الاولويات وتبعد الانظار عن المسائل الحيوية والمشاغل الاساسية للمواطن التونسي.
الامر الذي يستوجب ايجاد حلول توافقية بين جميع الاطراف للخروج من متاهة التجاذبات والتركيز على القضايا الرئيسية.
ان مواصلة منهج اسقاط الدين وإقحامه في معترك الحياة السياسية سيعبد الطريق لعودة ديكتاتورية جديدة تقصي الخصوم  وتكتم الرأي المخالف تحت غطاء الدين وعن طريق المزايدة  بالهوية العربية الاسلامية بما من شانه ان يطيل المرحلة الانتقالية التي بدأت تلقي بضلالها على مختلف القطاعات والمجالات.
ولعل المماطلة في اعداد الدستور وارتفاع وطأة الخلافات حوله بين النخب السياسية مثال يعكس خطورة ما وصلنا اليه بعد الثورة التي قامت من اجل الحرية و الديمقراطية, حيث لا يزال النزاع متواصلا بين حزب النهضة وحلفائها من انصار الشريعة وسلفيين الداعين الى ان يكون القرآن المرجعية الاساسية للدستور وبين القوى العلمانية الداعية الي الفصل بين الدين والسياسية والإبقاء على مدنية الدولة وعدم المساس بالفصل الاول من الدستورالتونسي.
هذا بالإضافة إلى اتباع اصحاب القرار في الترويكا الحاكمة على خطاب مزدوج يقوم على المراوحة بين خطاب سياسي و أخر ديني الامر الذي عزز لدى الشارع التونسي العديد من التخوفات لعل أبرزها تكريس ديكتاتورية ذات ابعاد جديدة يوظف فيها الدين كورقة ضغط وكمطية يطوعونها لمصلحتهم حسب توجهاتهم الايديولوجية وحساباتهم السياسية لتصفية خصومهم ويستغلونها لترويج برنامجهم الانتخابي بهدف الإبقاء على نفس موازين القوى المتمخضة عن انتخابات 23  اكتوبر و حشد مزيد الانصار من باب انهم وليوا الامر ولا يجوز الخروج عن سلطتهم.

ولعل الاخطر من ذلك هو طغيان منهج الاستقطاب واعتماد بعض الاطراف المتشددة فلسفة التكفير لتصبح بذلك المنابر والمساجد مكانا لإشاعة خطب الحقد والبغضاء والإشارة إلى اسماء  بعينها وإباحة تصفيتها ولعل من بين الامثلة على سبيل الذكر لا الحصر تخصيص صفحات على  شبكة الانترنت للتحريض على العنف والتشهير ببعض الشخصيات من سياسيين وإعلاميين وحتى مفكرين وكل ذلك لإعادة صناعة الخوف وتكبيل الحريات وقتل التعددية الفكرية والسياسية.
إن اقحام الدين في الحياة السياسية وتوظيفه لتحقيق اجندات حزبية ضيقة لن يؤدي فقط إلى إعادة بناء الديكتاتورية من جديد بل سيؤدي أيضا إلى إهمال المسائل الحيوية والقضايا الجوهرية لتي تشغل المواطن التونسي  وبالتالي الانحدار بالمسار الديمقراطي عن وجهته واتساع الفجوة بين الساسة والمواطن التونسي يوما بعد يوم,خاصة وأن الصراع الذي تعيشه البلاد نتيجة هذا اللغط مسقط على المجتمع التونسي وغريب عنه تم افتعاله لتقسيم التونسيين وإدخال البلاد في متاهة سيكون المواطن هو الضحية الاولى لها.
كما أن  تواصل التجاذبات حول هذه المسألة سيزيد من إهدار الوقت والطاقات التي كان من الاجدر استغلالها من أجل القضايا الجوهرية لعل اهمها التشغيل وتحقيق العدالة الاجتماعية,حيث لا يزال المواطن التونسي يعاني من الواقع المعيشي الذي أثقل كاهله وجعله يتخبط وسط الظروف الاجتماعية الصعبة نتيجة عجزه عن تحسين ظروفه أمام الاسعار المشتعلة والمقدرة الشرائية المتدهورة التي أضحت سيفا على رقبته.

ولعل ارتفاع ظاهرة الاحتجاجات والإعتصامات في الفترة الاخيرة بالإضافة إلى ارتفاع ظاهرة الانتحار بشكل غير مسبوق في الطريق العام  وخاصة في الفترة الاخيرة (شهر مارس)دليل على الحيف الذي يعاني منه المواطن وانسداد الافق امامه,خاصة وأن  من انتخبهم انحازوا عن المسار وانساقوا وراء حسابات سياسية ضيقة من شأنها أن تعيد البلاد إلى دهاليز الماضي القاتمة.
ولأن الحكمة ضالة المؤمن يتوجب ايجاد حلول توافقية تتم عن طريق فتح حوار فعلي بين جميع الفرقاء السياسيين بمختلف ايديولوجياتهم الفكرية وخلفياتهم السياسية لتحديد الاليات والقوانين التي تحصن  الدين وتنأ به عن التجاذبات السياسية بالإضافة الى وتشريع جملة من القوانين تجنب البلاد الانسياق  الى الفوضى والاحتقان وتؤسس لدولة ديمقراطية تقوم على مؤسسات مدنية وعلى التعددية الفكرية والسياسية.
كما انه من الضروري اتخاذ اجراءات تتعدى الاشخاص والأحزاب انطلاقا من تحليل عقلاني ونظرة مستقبلية وذلك للحفاظ على مجتمع مدني يعتمد على قوانين معاصرة تتماشى مع الواقع الذي نعيشه خاصة وأن الفصل الواضح والتام بين السياسة والدين وعدم استغلال احدهما للأخر سيحول دون جعل الدين اداة للمتاجرة بها من أجل مكاسب سياسية.

إن الثورة نجحت بلا شك في عبور إختبار الديمقراطية الاول لكن التحديات التي تفرضها المرحلة الانتقالية تفرض اتخاذ حلول جذرية كفيلة بالقطع مع ممارسات  النظام السابق والعودة إلى الديكتاتورية وإلى بلوغ هذه المرحلة يبقى المواطن التونسي يترصد مآل الامور وينتظر تطبيق مطالبه التي انتفض من أجلها.

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire